
كنت مسافرة وحدي. المطار كالعادة مكتظ بالمسافرين، حين تم الاعلان عن موعد اقلاع الطائرة، ذهبت إلى صاله الانتظار، ولم أجد إلا كرسياً واحداً بجانب امرأة كبيرة في السن. سلمت وجلست. كنت ألحظها وهي تحاول أن تملأ تأشيرة الدخول إلى السعودية. بعد لحظات من الحيرة، التفتت إليّ وقالت: خالتو انتي زي بناتي اقريلي شو مكتوب. وما هي إلا دقائق أخرى إلا ووجدتني أتحدث معها. كان حديثاً مشوقاً جداً، كان معظمه عن زوجها أستاذ اللغة العربية. اكتشفت أن كلتينا مسافرتين لوحدنا. فتمنيت لو تجلس إلى جانبي في الطائرة لتكمل حديثها المشوق.
لا أنكر أنني أعشق أحاديث الكبار في السن، له دفء وحميمية وصدق. لحسن حظي وبالمصادفة البحتة، كان مقعدها إلى جانب مقعدي في الطائرة. حدثتني عن أشياء كثيرة، عن ثلاث أجيال عاصرتهم. جيل والديها. ثم جيلها، وبعدهم جيل أبنائها. قالت لي بأنها ابنه مختار يافا! وأن والدها شارك في ثورة الثلاثينات. وأنه اعتقل لأن أحداً قد ذكر اسمه تحت التعذيب. أما قصة الافراج عنه فكانت غريبة. نصحه المحامي بأن يتظاهر بالجنون!! قال له إن أدخلوك على الضابط الإنجليزي التزم الصمت، حتى اذا غضب من طول صمتك، امسك المحبرة والقها في وجهه. وكذلك فعل، فاتهم بالجنون وخرج!!
اخبرتني عن السرايا التي يملكونها في يافا، وكيف أن نساء اليهود الفقريات كن يدقون نوافذ السرايا ويقولون "أساور حلق،، أساور حلق" لبيعها على نساء فلسطين. حدثتني عن جارتهم اليهودية المشرقية. هي قصص أثارت في الحنين والغصة. كيف كنّا وكيف أصبحنا وإلى أين سنذهب. هل سنذكر كل هذه التفاصيل في السنوات القادمة؟ هل سيحكيها جيلنا للجيل الذي سيأتي، حتى لا ننسى، ولا أظننا ننسى يوماً.
بعد حديث طويل سألتني عن اسمي، قلت لها كلثم، فردت بتعجب شديد "سبحان الله! زي اسم أمي!"، فقلت لها " خالتو كَلثَم، وليس كلثوم" قالت" آه، احنا ففلسطين بنقول كلثم" استغربت كثيراً، حيث أني –ومن طول خبرتي- حفظت الجمل التي تقال لي بعد أن أقول اسمي، وهما جملتين لا ثالث لهما، الأولى "اسمك قديم جداً" إذا كان المتحدث من الخليج، أما إذا كان من دولة عربية فالجملة تكون كالآتي "اسمك غريب!، لم اسمع به من قبل، ما معناه؟". ولكن هذه المرة الأولى التي يقال لي فيها انه مثل اسم أمي!
على أية حال، أكملت "خالتو" فقالت، بل إنك تشبهين أمي! الأنف الصغير والعين. " انتي حلوه زي بنات يافا، ربما كانت أمك من فلسطين؟ في شي فدمك " قلت لها "يشرفني ولكنني خليجية أباً عن جد ومن الجهتين". إلا أنها أكملت بقولها "الظاهر انه سيدك راح من ورا ستك وتزوج وحده من يافا"، ضحكت وقلت "كل شي جايز!"
عند اقتراب الطائرة من الهبوط، أخذت "خالتو" تقلب أوراق التأشيرة، علمت بأن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، هي أوراق فرقنتا، مجرد مسميات، دول، تأشيرات، وهويات. لنا نفس الأحلام، ونفس الآمال، ونفس اللغة، ونفس الهموم وحتى الذكريات.
في نهاية هذه الرحلة، كنت سعيدة بأشياء كثيره، القصص، الحكايات، كلمه "الله يرضى عليكي يمه" كل عشر دقائق، وأني سعيدة باسمي، فبعد أن كنت أقول بأنه اسم أخت النبي موسى-عليه السلام-، واسم معشوقه عمرو بن أبي ربيعة الذي قال فيها:
من عاشقٍ صبٍّ يسرُّ الهوى ،
قَدْ شَفَّهُ الوَجْدُ إلَى كَلْثَمِ
أستطيع أيضاً أن أضيف إلى "أعلام" اسمي زوجة مختار يافا.
لا أنكر أنني أعشق أحاديث الكبار في السن، له دفء وحميمية وصدق. لحسن حظي وبالمصادفة البحتة، كان مقعدها إلى جانب مقعدي في الطائرة. حدثتني عن أشياء كثيرة، عن ثلاث أجيال عاصرتهم. جيل والديها. ثم جيلها، وبعدهم جيل أبنائها. قالت لي بأنها ابنه مختار يافا! وأن والدها شارك في ثورة الثلاثينات. وأنه اعتقل لأن أحداً قد ذكر اسمه تحت التعذيب. أما قصة الافراج عنه فكانت غريبة. نصحه المحامي بأن يتظاهر بالجنون!! قال له إن أدخلوك على الضابط الإنجليزي التزم الصمت، حتى اذا غضب من طول صمتك، امسك المحبرة والقها في وجهه. وكذلك فعل، فاتهم بالجنون وخرج!!
اخبرتني عن السرايا التي يملكونها في يافا، وكيف أن نساء اليهود الفقريات كن يدقون نوافذ السرايا ويقولون "أساور حلق،، أساور حلق" لبيعها على نساء فلسطين. حدثتني عن جارتهم اليهودية المشرقية. هي قصص أثارت في الحنين والغصة. كيف كنّا وكيف أصبحنا وإلى أين سنذهب. هل سنذكر كل هذه التفاصيل في السنوات القادمة؟ هل سيحكيها جيلنا للجيل الذي سيأتي، حتى لا ننسى، ولا أظننا ننسى يوماً.
بعد حديث طويل سألتني عن اسمي، قلت لها كلثم، فردت بتعجب شديد "سبحان الله! زي اسم أمي!"، فقلت لها " خالتو كَلثَم، وليس كلثوم" قالت" آه، احنا ففلسطين بنقول كلثم" استغربت كثيراً، حيث أني –ومن طول خبرتي- حفظت الجمل التي تقال لي بعد أن أقول اسمي، وهما جملتين لا ثالث لهما، الأولى "اسمك قديم جداً" إذا كان المتحدث من الخليج، أما إذا كان من دولة عربية فالجملة تكون كالآتي "اسمك غريب!، لم اسمع به من قبل، ما معناه؟". ولكن هذه المرة الأولى التي يقال لي فيها انه مثل اسم أمي!
على أية حال، أكملت "خالتو" فقالت، بل إنك تشبهين أمي! الأنف الصغير والعين. " انتي حلوه زي بنات يافا، ربما كانت أمك من فلسطين؟ في شي فدمك " قلت لها "يشرفني ولكنني خليجية أباً عن جد ومن الجهتين". إلا أنها أكملت بقولها "الظاهر انه سيدك راح من ورا ستك وتزوج وحده من يافا"، ضحكت وقلت "كل شي جايز!"
عند اقتراب الطائرة من الهبوط، أخذت "خالتو" تقلب أوراق التأشيرة، علمت بأن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، هي أوراق فرقنتا، مجرد مسميات، دول، تأشيرات، وهويات. لنا نفس الأحلام، ونفس الآمال، ونفس اللغة، ونفس الهموم وحتى الذكريات.
في نهاية هذه الرحلة، كنت سعيدة بأشياء كثيره، القصص، الحكايات، كلمه "الله يرضى عليكي يمه" كل عشر دقائق، وأني سعيدة باسمي، فبعد أن كنت أقول بأنه اسم أخت النبي موسى-عليه السلام-، واسم معشوقه عمرو بن أبي ربيعة الذي قال فيها:
من عاشقٍ صبٍّ يسرُّ الهوى ،
قَدْ شَفَّهُ الوَجْدُ إلَى كَلْثَمِ
أستطيع أيضاً أن أضيف إلى "أعلام" اسمي زوجة مختار يافا.
رااااااااااااائعة جدا :)) .. هاد التآلف والمحبة الصادقة هم وحدهم إلي رح يوحدونا .. آه .. أعشق يافا ! .. ان شاء الله بنرجع فلسطين وسرايا بنت المختار :) ..
ردحذفكالعادة اسلوبك رائع ومشاعرك أروع .. وطبعا اسمك جميل متلك .. يا احلى بنات يافا :)
نقل القصص بتفاصيلها من جيل إلى آخر .. موضوع قائم بحد ذاته .. وتكلم عنه ياسر حارب بمقاله الأخير.. لازم نبتكر طريقة حتى دفء وصدق هادي القصص ما يندثر !
الحمدلله انك استمتعتي بالسفرة وما طلع كرسيكِ جنب بابا !! ههههههه
الأخت الغالية كلثم
ردحذفلا أخفيك أني منبهرة بأسلوبك الأدبي الرائع
وأنا مستمتعة بقراءة ما خطته اناملك الذهبية..
أكتب اليك هذه الرسالة وأنا لا يفصلني عنك سوى خطوات
كتاباتك هي متنفسي للهروب من ضغط العمل
أحبك في الله
أمينة البلوشي
رائعة جداً
ردحذف