الجمعة، أكتوبر 07، 2011

رحم الله زمان التفاح




أكتب هذه التدوينة، عالمةَ بأني سأنقلها من الورق إلى العالم الرقمي عن طريق الآيباد، وعلى مكتبتي بجانب أقلامي والأوراق الآيفون. هذا على الرغم من أنني لست من محبي التكنولوجيا ولا من متابعيها، ولكن الناجح والقائد دوماً هو من يفرض قوانين الحياة على العالم كله، وهذا ما فعله ستيف جوبز، الذي أحدث ثورة (ولكل ثورته) في عالم التكنولوجيا المتسارع.
حزنت كغيري من البشر في أرجاء المعمورة على موت جوبز، حيث أن قصتي معه تبدأ منذ طفولتي، وتحديداً في معمل الكمبيوتر في المدرسة، حين وَقَفت معلمتي ذات النظارة الكبيرة والمستديرة لتقول: "هذه الآلة تدعى ماكنتوش!" ففتحت عيني وفمي على وسعهما، وقلت لصديقتي التي بجانبي "الشوكلاتة!" ثم أكملت بقولها :"وهذا الصغير المتصل بها يدعى الفأرة"، فزاد اتساع ملامحي وقلت "توم وجيري هنا في المدرسة!". وبالإضافة إلى ملامح الاستغراب، فقد عَلَت وجهي البسمة كذلك حين شاهدت التفاحة الملونة المقضومة، وقلت في نفسي لابد أن الفأرة قد أكلت منها!. لا أنكر أن ظن الطفلة خاب بعد استخدام الآلة، فقد ظننت أني أمام عالم من الألعاب وليس عالماً من البرامج المعقدة التي ما فهمتها يوماً.
كبرت، وكبر ولعي بكل ما هو يدوي وقديم، وبقيت هذه الطفلة بداخلي كلما شاهدت جديداً في عالم التكنولوجيا الغريب.
بالأمس توفي مالئ الدنيا وشاغل الناس "جوبز"، وليس المتنبي العظيم طبعاً. لن أتحدث عن كفاحه ونجاحه فهو أمر واضح للأعمى، ولكن ما استفزني -علماً أنني لم استغربه كثيراً-، ذلك الجدل الذي دار بعد انتشار خبر وفاته عن جواز الترحم عليه أم لا. كان يوماً مشهوداً من أيامنا العربية المجيدة، يستخدمون الآلة ثم يلعنون صاحبها! لم أفهم بعد ولا أظنني سأفهم يوماً سبب إقحام الدين في كل شاردة وواردة، ثم إني لا افهم كيف يُنَصّب البعض أنفسهم حراساً على أبواب جنةٍ عرضها كعرض السماوات والأرض (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) ؟ من شاء الله فليرحمه، ومن لم يشأ فهو سبحانه أعلم بالبشر.
كنت أتمنى أن يكون الحوار عن كيفية الاستفادة من علم جوبز، حياته، برامجه، ولكن العالم العربي أبى إلا أن يتمسك بأسلوب تعاطيه المعتاد مع الخبر. خبر آخر استوقفني، وهو أن جوبز من أصل عربي من حمص - سوريا تحديداً، أي أن الرجل "منّا وفينا"، غريب هو استئثار كل عظيمة لنا نحن العرب دوناً عن سائر البشر. توقفت لوهلة لأتخيل سيناريو محتمل لحياة جوبز ومصيره لو لم يهاجر والده، ربما انتهى به الحال كمبرمج لبرامج الكترونية مقلدة أو مسروقة في أحد أزقة حمص، أو في أفضل الحالات مبرمج أو تقني في أحد دول الخليج العربي.
لماذا لم يتوقف أحد أمام الظروف والأوضاع التي توفرت لجوبز أو أي مبدع مهما كان أصله، فجعلت منه عالماً، أو ناجحاً. ولماذا لم نفكر في البيئات الطاردة لكل شيء عدا القبح في أوطاننا العربية؟ كم من جوبز أضحى عندنا موظفاً عادياً يراوده حلم الهجرة ولا يستطيع إليه سبيلا؟
وبالعودة إلى التفاح والماكنتوش والفأرة، وبما أننا في زمن التحولات، فإني أقول، رحم الله أبا التفاحة والماكنتوش والفأرة "الجدد"، وأعان أمةً مازالت تنتظر المطر لحصاد التفاح، وتسمم الفئران حتى لا تقضي على ما تبقى من علبة الماكنتوش.


**ملاحظة: الصورة لـ ستيف جوبز في بداياتة.

هناك تعليق واحد:

  1. إنه التفكير السطحى الساذج الذى ينشغل كثيراً بالأشخاص ولا يستطيع استيعاب الأفكار والإنجازات.

    ردحذف