الثلاثاء، ديسمبر 07، 2010

مهاجرة بالنية !



"إن الملايين ممن ينوون الهجرة يكونون قد هاجروا نفسياً لحظة تقديم الطلب وهجروا الوطن على المستوى الشعوري. ويظل حالهم على هذا، حتى لو ظلوا سنوات ينتظرون الإشارة بالرحيل. فتكون النتيجة الفعلية أننا نعيش في بلد فيه الملايين من المهاجرين بالنية أو الذين رحلوا من هنا بأرواحهم... و لا تزال أبدانهم تتحرك وسط الجموع كأنها أبدان الموتى الذين فقدوا أرواحهم ،ولم يبق لديهم إلا الحلم الباهت بالرحيل النهائي." (د.يوسف زيدان)


لا أعلم إن كنت سأضيف شيئاً على ما قاله د. زيدان، فقد اختصر بما قاله حال الملايين، الملايين ممن لم تكن لهم صفة معروفة. فالهجرة عادة إما أن تكون اختياراً، وإما قسراً. ولكن الباقين، ما صفتهم؟ ما هي تسميتهم!! هذه الجموع المتكدسة من البحر إلى البحر.. الجموع التي تبقى معلقة بين السماء والأرض وهي في الدنيا، ولم تفارق أرواحها الأبدان بعد!


نعم،، هم مهاجرون بالنية، مهاجرون بالأمل المستحيل،، مهاجرون بالخيال الذي ما استخدموه يوماً إلا للهروب ولا شي غير الهروب. وتبقى الأبدان التي حُمّلت بالخطايا والتبلّد والفوضى.
مهاجرون بالنية،، ليسو هنا،، ولا هناك،، ليسوا مع أحلامهم، ولا مع واقعهم،، تتملكهم رغبة عارمة بالحياة،، الحياة التي سمعوا عنها كثيراً وما عرفوا منها إلا الاسم.


ألسنا جميعاً مهاجرون،، مهاجرون من واقع إلى واقع أفضل منه، ومن حلم إلى حلم أكبر منه. ليست الهجرة إذاً ورقة تسمح لي أن أعبر الحدود إلى الشمال.. وإنما هي ورقة في داخلنا أكثر قوةً من أوراق السفارات كلها. ورقة تجعلنا نرغب في إكمال المسير إلى الحلم، إلى المستحيل.


وما هو الحلم؟ ما هي تلك الرغبة الحارقة لشيء متخيّلٍ نكون نحن أبطال فصوله؟ أن ننقل هذه القصة إلى واقعنا الملموس. وإن تحقق هذا الحلم، هل سيكون بنفس جمال الحلم المتخيّل؟. أم أن الحلم يبقى أجمل وهو حلم!! فإن تحقق أصبح عبئاً على صاحبه. صاحبه الذي يعيش صراعاً في أن يبقي هذا الواقع شبيهاً بما تخيل،، فيفشل في غالب الأحيان! أم أن الأحلام هي التي تساعدنا على إكمال الحياة،، إذاً، إن تحققت كل أحلامنا كيف سنعيش؟!


ما يثير ضحكي حد الغثيان،، ملايين،، أو لعلها آلاف أخرى،، لم يسمّها د. زيدان،، وهي الآلاف التي لا تعرف للأحلام عنواناً،، أو بالأحرى لا تعرف الأحلام أصلاً لتسأل عن عنوانها.. حاولت أن أفهم،، أن يستوعب عقلي المنهك من كل شيء عدا الشعر، كيف يعيش هؤلاء، كيف يستحملون المسير إلى النهاية،، وكيف ينظرون إلى وجوههم في المرآة كل صباح فيتعرفون عليها!! ويفرقون بينها وبين أي شيء أخر،، كفرشاة الأسنان أو المنشفة أو حتى الصابون،، فهم وأدوات الحمام متشابهون في النوع -الجماد- غير أن الثانية أكثر فائدة،، ولها رائحة زكية تنشر التفاؤل المؤقت..


إذا،، هل نحن مهاجرون بالنية؟ هل أنا مهاجرة بالنية! النية المبيتة! ربما كنت كذلك،، ولكن ورقتي تبقى في داخلي،، ولا انتظرها عند باب أحد،، وآمل ألّا تنتقل هذه الورقة إلى الواقع الملموس على جواز سفر يحملني يوماً إلى الشمال..

السبت، ديسمبر 04، 2010

ويكيليكس .. هل نحن بحاجة إلى نشر فضائح معروفة؟


أثار موقع ويكيليكس الكثير من الضجة، ومازال، وسيبقى كذلك إذا لم تتكالب عليه حكومات العالم مجتمعة لاسكاته أو إغلاقه أو تلبيس صاحبه تهمة اغتصاب!
وللاغتصاب طبعاً كثير من المعاني ، ما فهمته شخصياً، هو اغتصاب هدوء الحكومات التي ظنت أن مثل هذه الوثائق لن تصل يوماً إلى مسامع البشر في هذا العالم.
وكما هو متوقع دائماً، لم يبق أحد إلا وتحدث عن هذه المعلومات الخطيرة التي لم تترك أحداً إلا وكشفت عنه معلومة ما. ما يثيرني وأنا أتصفح الموقع ، بأن المعلومات التي ينشرها كانت معروفه لنا نحن. نحن من نعاني من ويلات الحروب ونرى أهوالها يومياً.
لم يكن الشعب العراقي مثلاً بحاجة إلى وثائق تتحدث عن فضائح أرباب الاحتلال وأتباعه، فهو يعيش هذا الاحتلال بكل تفاصيله المدمرة والقاتلة. فهذه المعلومات بالنسبة للعراقيين أمر معاش يقتاتونه مع الخبز. ربما سجّلت ووثقت هذه الوثائق لما يحدث.
وكأن ملايين الشهداء والمشردين والمهجرين والأرامل واليتامى لا يثبتون لهذا العالم المتحضر أي دليلٍ لأي جريمة تذكر! هذا الكلام ينطبق بطبيعة الحال على أفغانستان التي تحدث فيها الجرائم دون أن يسمع بها أحد، وكأن صرخات وأنين الضحايا تختقي وراء الجبال الشاهقة والتضاريس القاسية.
لم يختلف الموضوع كثيراً عندما نشر الموقع رسائل السفارات الأمريكية التي تحدثت عن تفاصيل لا نستغربها كثيراً وإن غابت عنّا، إلا أننا نعلمها يقيناً، والشاهد واقعنا الذي نعيشة طبعاً. خلاصة القول، أهل مكة أدرى بشعابها.
وكأي شيء جديد يظهر في حياتنا ، وجب بالمقابل ظهور مقلد ونسخة جديدة تنافس النسخة الأصلية. أعني بهذا ما تناقلته وسائل الاعلام مؤخراً عن موقع اسرائيلي نشر الكثير من الوثائق السرية التي احتوت على صور وأسماء لضباط وجنود اسرائيليين شاركوا في عملية الرصاص المصبوب على غزة. وقد وصل الأمر بالسلطات الاسرائيلية إلى فتح تحقيق مع صاحب هذا الموقع لنشره هكذا معلومات تعرض أصحابها للملاحقة القانونية لدى دولٍ نسيت لون الدماء الأحمر ولم يحركها إلا الورق.
إن من مبكيات هذا الزمن الرديء أن تكون هذه الوثائق أغلى وأكثر إثباتاً ودلالة على الجرم من القتيل نفسه! القتيل الذي كان شاهداً على كل تفاصيل الجريمة.
وفي كل الأحوال، فإن هذه المواقع جاءت في عصر لم تبق فيه خصوصية لأحد، أفرادا أو حكومات. وهذه المواقع وغيرها إنما هي تطور طبيعي للإعلام الجديد الذي أوجد عوالم متعددة تتعدى عالمنا الملموس ولكنها تؤثر فيه وتتأثر به.
وهي كذلك من المفارقات التي تثير الكثير من التساؤلات المتعلقة حول أهمية المعلومة وأحقية الحصول عليها وكيفية التعامل معها وما تترتب عليه، بل وتثير تساؤلات حول عصر العولمة والمعلومات بشكل عام. هذا العصر الذي جعل من العالم حجرة صغيرة جداً آمل ألا تضيق يوماً بأصحابها!.