
ليس غريباً علينا ولا على ديننا الإسلامي، الإساءة من قبل الآخر. فالإسلام منذ ظهوره وهو يتعرض للإساءة من المشركين والمنافقين وغيرهم، وبقي الحال كما هو عليه حتى أيامنا هذه. لن أتحدث عن ذلك المعتوه، ولا عن أي إساءة بلهاء أخرى، فهذه الإساءات أسخف من أن نحفظها في ذاكرتنا الملئى بالمآسي. ما يشغلني دائماً عند حدوث أي إساءة هو نحن.
نعم نحن، ردود أفعالنا المضحكة والمتفرقة والعشوائية، سواء على المستوى الشعبي أوالرسمي. مظاهرات تودي بحياة العشرات، وحرقٍ لكنائس، واعتداءات على سفارات. لست أفهم سبب تحول مظاهراتنا إلى مظاهر عنف، و أتمنى الَا أفهم سبب صب جام الغضب على اخواننا المسيحين وكنائسهم، أين نحن الآن من عمر الفاروق!! ثم إن عقلي البسيط لا يستطيع استيعاب فكرة الاعتداء على السفارات و العاملين بها.
على المستوى الرسمي لا أقول حدث ولا حرج، بل أقول كما يقال باللهجة المحكية "لاتقولي ولا أقولك"، صمت حكومي تام، وبيانات متفرقة من هذا الشيخ وتلك الهيئة. وحتى هذه الردود تظل في وسائل إعلامنا وجرائدنا و كأننا نتحدث إلى أنفسنا، في حين أن الإساءة تأخذ النطاق الدولي. بالإضافة إلى أن ردود أفعالنا ليست بنفس مستوى الإساءة، لا من حيث الشكل ولا حتى من حيث المضمون.
ما يحزنني في الموضوع هو أن نكون نحن في دائرة "ردود الفعل"و ليس في" دائرة الفعل". لماذا علينا أن ننتظر الغير ليسيئ حتى نتحرك؟ أو بالأحرى لماذا ننتظر وسائل الاعلام حتى تختار ما يحلو لها من الإساءات لديننا في بقاع الأرض المختلفة لتعرضه ثم نتحرك. جميعنا يعلم أننا لو ذهبنا لمكتبة أي جامعة في الغرب سنجد أبحاثاً وكتباً تسيء للإسلام، غير أن الإعلام لا يركز عليها، مما يعني انها بالنسبة لنا بأنها غير موجودة!! وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، لعل أقربها ما تزامن مع دعوى حرق المصحف، وهو تكريم رسام الكاريكاتير من قبل ميركل المستشارة الألمانية بجائزة لحرية التعبير!!! خبر مثل هذا كان أجدر بالتغطية والغضب الرسمي والشعبي، فكيف لسياسية بمستوى ميركل أن تكرم شخصاً كهذا على المستوى الرسمي!! لقد مر هذا الخبر مرور الكرام ولم يلتفت اليه أحد لأن وسائل الاعلام بكل بساطة لم تركز عليه. أذكر أنني حضرت محاضرة لـ د. حمزة يوسف، وقد تزامنت هذه المحاضرة مع الرسوم المسيئة لشخص النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان تعليقه على التغطية الإعلامية الإنتقائية لبعض الإساءات وغفال إساءات أهم وأكبر: "Tsunami is big, becouse CNN is big"، في دليل واضح على أهمية الإعلام في صناعه الأفكار وردود الفعل.
وبالعودة إلى دائرة الفعل، أعجب كثيراً من الهيئات والمؤسسات المعنية بشؤون الإسلام التي إلى الآن لا نجدها تمثلنا، أو بمعنى أدق لا نجدها ترد بلساننا نحن المليار ونصف مسلم. لماذا لاتكون هناك جهة واحدة ترد باسم المسلمين بجميع طوائفهم، وتكون ممثلة رسمية عنهم، وتكون هذه الجهة هي الجهة الوحيدة المخولة بالرد ومن هم غيرها يلتزمون الصمت. وحبذا لو كان لهذه الجهة مركزاً مبادراً للأبحاث يعمل من دون توقف حتى اذا ما وجدت أي اساءة كان الرد جاهزاً واضحاً ومعمقاً، وليس ردة فعل آنيه تغطي بعض الجوانب وتغفل بعضها.
لماذا نسمع دائماً في ظل الضجة التي تترافق مع الأحداث المسيئة، ضجةً أخرى من رجال الدين والمشايخ على الفضائيات والصحف. وكأنني كمسلمة لا أعرف ما هي الإساءة ولا اعرف من هو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا أعرف ما هو الإسلام!!!
أما بالنسبة لمن يسيئ لهذا الدين العظيم، فلا رد عندي غير ما قاله جد الرسول-صلى الله عليه وسلم- عبد المطلب حين جاء أبرهه الحبشي لهدم الكعبة. حيث ذهب عبدالمطلب ليناقش أبرهه عن ماله وابله وغنمة، فتعجب أبرهه وقال: جئت لأهدم أقدس شيء عندكم وأنت تحدثني عن مالك وابلك!! ، فرد عبدالمطلب رداً عظيماً، حيث قال: للبيت رب يحميه!! فكانت الطيور الأبابيل.
وأنا أؤمن بأن لهذا الدين رب يحميه، وكفى بالله حسيباً ورقيباً و حامياً.
أول شي مقالك جداً رائع ، ومميز في وقته ،
ردحذفواسمحيهلي اضيف أن الأمر لم ولن يتوقف عندمسألة التعدي على حرمات هذا الدين ، فحتى في ابسط الامور التي تثور لأجلها الانسانية ككل نجد أن اعلامنا العربي اعلام ساقط همه وتوجيه الاول التركيز على كلشئ خلا المفيد !
لاحظنا منذ ايام مأساة المنكوبين في باكستان وطبعاً كان إعلامنا المسلوب مشنغل بالمقام الأول بزهرة وازواجها الدشليون وبسيارة أبو جانتي وتفتيلتة في حواريالشام ،أما عن الإعلام الغربي الإنساني جداً والراقي والديموقراطي والحنووون زيادة عن اللزوم مع ضحايا الأزمات الطبيعية كان غارق كما باكستان بمطارة باكستنين اخرين الصقت عليهم تهمة " إرهابيين " كعلامة مسجلة لإستحقاقهم الفيضانات وامطار اخرى من الرصاص الحي !
لو كان ضحايا هذه الكارثة الإنسانية من البوذيين أو حتى اليهود لاشبعتنا القنوات العربية والغربية من قبل بتقارير وتغطيات تدفعك بتسليم شديد وانت ملكوم الفؤاد لعون اولئك الضحايا ..
اعذريني ختاماً ، لاطير أبابيل ولا بيت يحمى في زماننا هذا ، كانت الرسالة لم ترد للامة في حينها ، فلاحجة لنا بانتظار الابابيل والقصف الرباني ! نعم سيحفظ الكتاب بوعد من المولى عز وجل ، لكن لا عذر لنا ولن يكون واخشى ما اخشى أن تتلقفنا تلك الطيور إن كانت !
كل الحب .. دام قلمك مبدعاً صديقتي الاندلسية ..
فعلا انا اوافقك الرأي بأن الاعلام انتقائي وطبعاً اعلامنا العربي بالذات أكبر همه الفلوس و الفضايح و الحصري والسبق الصحفي مع الأسسف الشدييد،،
ردحذفبالنسبة لنا نحن كحركات شعبية و مجتمع مدني،، يا ستي ع الاقل نكون صوت واحد يرد على الاساءات بشكل مدروس و مفهوم مش كل من هب و دب قعد يفتي و ياريت بيفتي في أماكن الاساءاة بل على فضاءياتنا وجرايدنا،، وكأننا لا نفهم ما هي الاساءة،،
و لهذا انا اشكو إلى الله "عنوان المقاله" لانه فعلا انا كمسلمه لا يمثلني أحد،، ولا اجد أحداً برد بلساني ويشفي غليلي!!!
وكل هالهيئات و اللجان والمؤتمرات الاسلامية لا نسمع منها سوا البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع
شكراً يا أحلا اندلسية ع الرد المميز
يعطيك العافية.. أوافقك على بعض أراءك وأعارض بعضها الآخر :) ..
ردحذفأعتقد أن الحكومة أو السلطة المركزية للمسلمين في أي جانب يخص توحيدها بات من الأمور التي لا يتناقش بها اثنين إنما يحلمون ويمنون أنفسهم بها لصعوبة تحقيقها وإن كنا واقعيين أكثر فسنعلم أن الإسلام ومعتقنيه لا يمكن أن يمثله أحد أو تمثله سلطة أو مجموعة أو أفراد لاختلاف المعتقدات والأراء سواء في الأصول أو الفروع ناهيك عن أحقية التمثيل في ذلك. لهذا فكل مسلم يمثل نفسه نعم يمثل الإسلام بذاته لا بغيره. والقوة لا تكمن في مركزية الدين وإنما في قوة أفراده ومدى اقتناعهم به وعمق فهمهم له.
المظاهرات وغيرها ماهي إلا وسيلة للتعبير عن ردود الفعل للمجتمعات سواء ضد سلوك دولة أو منظمة أو حتى سلوك فرد..
لكن أن تطرح المظاهرات كغاية أو كحل للفعل القائم من أجله تلك المظاهرات فهذه هي المشكلة وأساسها، والسلوك هذا ناتج عن وعي ناقص وبناء لم يكتمل بعد نحو ما يسمى بالدولة المدنية.
نحتاج كما قلت لحلول دائمة لا ترتبط بردود فعل معاكسة وإنما تدوم في توصيل أهدافها كمقاربة وتوسيع فهم الإسلام في تصورات الغرب والعالم عموماً..
ما أود توضيحه أخيراً بشكل مختصر هو أن ردود الفعل (الطبيعية) كالمظاهرات وغيرها من السلوكيات المحركة للعواطف هي ظاهرة صحية وتحدث في أرقى المجتمعات الديموقراطية.. لكن الظاهرة غير الصحية هي تلك حالة - مابعد المظاهرات- هل سيخيم السكون وتعود المياه إلى مجاريها وكأن لم يحدث شيء ؟ أم أن هناك أعمال ومشاريع ولدت نتيجة ذلك الحدث ؟
شكراً لك على مقالك الجميل فقد استمتعت به.
بوركت .